سوف أعرض الفقرة الموجودة في أحد الكتب الدينية التي كتبها الراحل الدكتور "عبد الحليم أبو شقة" في كتابة الثري "تحرير المرأة في عصر الرسالة"، والذي ناقش فيه المؤلف -رحمه الله- ما تعرض له الإسلام في القرآن والصحيحين عن كل ما يتعلق بالمرأة وحقوقها وواجباتها وقد جاء هذا الكتاب القيم في ستة أجزاء اختص الجزء السادس منها بالثقافة الجنسية بين الزوجين، وذاك هو عنوان الجزء السادس من الكتاب وقد أورد مؤلفه -رحمه الله- في الفصل السادس الذي كان عنوانه "الشريعة وفنون الاستمتاع" وتحت عنوان فرعي يقول "أوهام باطلة تحاصر الاستمتاع الطيب وتطارده" بعض الأشياء التي ألصقت بالإسلام فيما يتعلق بالعلاقة الجنسية بين الأزواج ومنها النص التالي "ص150 ج 6" والذي جاء تحت عنوان:
- الوهم الرابع: وجوب ختان البنات:
دعماً للتعفف الأخرق وتضييقاً لفرص الاستمتاع على كل من الرجل والمرأة ساد القول بوجوب ختان البنات في بعض بلاد المسلمين، وذلك لقرون طويلة وكأن ختان الإناث فريضة من فرائض الإسلام وإغفاله يعتبر نقيصة ومعرّة للفتاة كما يعتبر فعله مكرمة لها وهذا كله وهم، وتأكيدا لهذا الوهم شاع الحديث الضعيف التالي:
عن شداد بن أوس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الختان سنة للرجال ومكرمة للنساء" رواه الطبراني (انظر ضعيف الجامع الصغير الحديث رقم 2937)..والحقيقة في أمر ختان البنات أنه كان عادة من عادات العرب في الجاهلية ولما جاء الإسلام وضع لها من الشروط ما يخفف من أثرها على الرجل وعلى المرأة معاً ويحفظ حق كل منهما في الاستمتاع..
عن أم عطية الأنصارية أن امرأة كانت تختن بالمدينة فقال لها النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا تنهكي فإن ذلك أحظى للمرأة وأحب الى البعل "أي الزوج"، وفي رواية عن الطبراني فقال لها: "أخفضي ولا تنهكي فإنه أنضر للوجه وأحظى عند الزوج" رواه أبو داود (انظر صحيح الجامع الصغير حديث رقم 234، وصحيح سند أبي داود.. أبواب النوم باب ما جاء في الختان الحديث رقم 4391).. قال الحافظ بن حجر: أفاد الشيخ أبو عبد الله بن الحاج في المدخل أنه اختلف في النساء هل يخفضن عموماً أو يفرق بين نساء المشرق فيخفضن ونساء المغرب فلا يخفضن لعدم الفضلة المشروع قطعها منهن بخلاف نساء المشرق....؟ وفي وجه للشافعية: لا يجب في حق النساء وهو الذي أورده صاحب المغني عن أحمد، وذهب أكثر العلماء وبعض الشافعية إلى أنه ليس بواجب على أن الحديث "أي حديث الختان سنة للرجال ومكرمة للنساء" لا يثبت لأنه من رواية حجاج بن أرطأة ولا يحتج به (فتح الباري ج12، ص 460و 461)..
وقال الشيخ السيد سابق -رحمه الله- في "فقه السنة": أحاديث الأمر بختان المرأة ضعيفة لم يصح منها شيء.. (فقه السنة ج1 ص 36 )
هذا الكلام السابق عرضه ليس رأياً شخصياً لي ولكنه نقل دقيق لما جاء في كتاب ذي صيت طيب لكاتب اجتهد كثيراً في البحث، وأورد لنا هذا الذي نراه من نتاج نحسبه نتاجاً طيباً أثابه الله عنه خير الثواب وأعظم أجره بإذنه تعالى وكما نرى في هذه الأيام الجدل الرهيب القائم عند أهل العلم من الفقهاء ورجال الدين وحتى بينهم وبين بعضهم البعض حول هذا الموضوع الذي ربما لم يثر موضوع آخر جدلاً مثيلاً من قبل مثلما حدث مع هذا الأمر، وذلك لأن علماء السلف لم يقروه في حين أقره البعض الآخر استنادا لبعض الأقوال التي يرونها لا تحتمل الشك، والتي لا يراها آخرون بهذه القوة وهذه الأهمية..
وعلى ذلك فبعض الفقهاء أحالوا الحكم برمته للأطباء والذين يجب أن يستشاروا حسب حالة كل فتاة على حده، وعليهم الإفادة بوجوب إجراء تلك العملية أم لا ومن هؤلا كبار مشايخ الأزهر الشريف في مصر..كما قيل أيضاً إنها ربما -أي عملية الختان- تكون ما زالت تجرى احتراماً للعرف الثقافي المتوارث في بعض البلاد الإسلامية، ذلك العرف الذي اتبع قبل ظهور الإسلام بأحقاب وأحقاب حيث إن تغييره أو النداء بتوقف أحد أركانه قد يسبب بلبلة من المستحسن الاستغناء عنها.
كما أنني هنا أيضاً لا أقر القول المنادي بتحريم ختان الإناث بل إني أعتبره قولاً متشدداً لا مكان له في الدين الإسلامي حيث إن الأصل في كل شيء هو الإباحة وإن ما من شيء حرام إلا ما نزل فيه نص صريح بتحريم صريح.
ولغلق هذا الملف نهائياً أقول -وكما قلت من قبل- إنه ربما قدر الله مواربة باب الحكم في هذه المسألة حتى لا يقطع الطريق على ذوات الاحتياج من الفتيات لإجراء هذه العملية بسبب وجود داع طبي كالذي سبق وعرضنا له في مقال سابق، وربما أنه إذا كان قد قطع بحرمة الختان الأنثوي لكانت امتنعت تلك الفتيات عن إجراء الختان العلاجي، وربما أنه إذا كان قد أبيح على إطلاقه لكان ذلك داعياً مؤثراً سلبياً على العلاقة الحميمة بين الزوجة وزوجها لحرمانها من عضو عامل في جسدها قادر على إشعارها بشكل أكبر بالمتعة الحلال التي حباها الله بها في ظل العلاقة التي أسماها بالميثاق الغليظ، والتي إذا ما صلحت صلح الزواج وصلحت العلاقة الحياتية بين الزوجين وصلحت حياة كل منهما على حده..
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولجميع من سبقونا ولحقونا في الإسلام... والله أعلم.